وقال أبو حنيفة: يجوز تعجيلها من أول الحول ؛ لأنها زكاة، فأشبهت زكاة المال.
وعند الزيدية: يجوز تعجيلها ولو إلى عامين كزكاة المال (البحر 196/2).
وقول مالك وأحمد أحوط وأقرب إلى تحقيق المقصود، وهو إغناؤهم في يوم العيد بالذات.
والقول بجواز إخراجها من بعد نصف الشهر أيسر على الناس، وخاصة إذا كانت الدولة هي التي تتولى جمع زكاة الفطر. فقد تحتاج إلى زمن لتنظيم جبايتها وتوزيعها على المستحقين. بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم، فشعروا بفرحة العيد وبهجته كما يشعر سائر الناس. ومثل ذلك إذا تولت زكاة الفطر مؤسسة أو جمعية إسلامية.
لمن تُصرف زكاة الفطر؟.
الصرف لفقراء المسلمين بالإجماع:
قال ابن رشد: أما لمن تصرف؟. فأجمعوا على أنها تصرف لفقراء المسلمين لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "أغنوهم"... الحديث. الخلاف في فقراء أهل الذمة: قال: واختلفوا: هل تجوز لفقراء أهل الذمة؟. والجمهور على أنها لا تجوز لهم. وقال أبو حنيفة: تجوز لهم.
وسبب اختلافهم: هل سبب جوازها هو الفقر فقط؟ أو الفقر والإسلام معًا؟ فمن قال: الفقر والإسلام لم يجزها للذميين، ومن قال: الفقر فقط أجازها لهم، واشترط قوم في أهل الذمة الذين تجوز لهم أن يكونوا رهبانًا (بداية المجتهد: 73/1).
روى ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة: أنه كان يعطي الرهبان صدقة الفطر (المصنف: 39/4)، وعن عمرو بن ميمون، وعمرو بن شرحبيل، ومرة الهمداني: أنهم كانوا يعطون منها الرهبان (المغني: 78/3).
وهي لفتة إنسانية كريمة تنبئ عن روح الإسلام السمح، الذي لا ينهي عن البر بمخالفيه الذين لم يقاتلوا أهله ويعادوهم، فلا غرو أن تشمل مسرة العيد كل من يعيش في كنف المسلمين، ولو كانوا من الكفار في نظره. على أن هذا إنما يكون بعد أن يستغنى فقراء المسلمين أولاً.
هل تُفرَّق على الأصناف الثمانية؟
وهل يقتصر صرفها على الفقراء والمساكين أم تعمم على الأصناف الثمانية؟ المشهور من مذهب الشافعي: أنه يجب صرف الفطرة إلى الأصناف الذين تُصرف إليهم زكاة المال، وهم المذكورون في آية: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ) (التوبة: 60)، وتلزم قسمتها بينهم بالسوية (المجموع: 144/6)، وهو مذهب ابن حزم، فإذا فرقها المزكي بنفسه سقط سهم العاملين لعدم وجودهم، والمؤلفة لأن أمرهم إلى الإمام لا إلى غيره (المحلي: 143/6-145).
وردَّ ابن القيم على هذا الرأي فقال: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة.
وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية (زاد المعاد: 315/1).
وعند المالكية: إنما تُصرف للفقراء والمساكين، ولا تُصرف لعامل عليها ولا لمؤلف قلبه، ولا في الرقاب، ولا لغارم ولا لمجاهد ولا لابن سبيل يتوصل بها لبلده، بل لا تعطى إلا بوصف الفقر، وإذا لم يوجد في بلدها فقراء نقلت لأقرب بلد فيها ذلك بأجرة من المزكي لا منها، لئلا ينقص الصاع (الشرح الكبير بحاشية الدسوقي: 508/1-509).
فتبين بهذا أن هنا ثلاثة أقوال:
1- قول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية -أو مَن وجد منهم- بالسوية، وهو المشهور عند الشافعية.
2- وقول بجواز قسمتها على الأصناف، وجواز تخصيصها بالفقراء، وهو قول الجمهور؛ لأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: (إنما الصدقاتً للفُقَراءِ والمسَاكِينِ) (التوبة: 60)
3- وقول بوجوب تخصيصها بالفقراء، وهو مذهب المالكية -كما ذكرنا- وأحد القولين عند أحمد، ورجحه ابن القيم، وشيخه ابن تيمية.
وإلى هذا القول ذهب الهادي والقاسم وأبو طالب: أن الفطرة تُصرف في الفقراء والمساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة الثمانية، لما جاء في الأحاديث أنها: "طعمة للمساكين"، ولحديث: "أغنوهم في هذا اليوم" (نيل الأوطار: 195/4).
ومع وجاهة هذا القول، وتمشيه مع طبيعة زكاة الفطر، وهدفها الأساسي فأرى ألا نسد الباب بالكلية ونمنع جواز استخدامها في المصارف الأخرى عند الحاجة والأحاديث التي ذكروها تدل على أن المقصود الأهم منها إغناء الفقراء بها في ذلك اليوم خاصة، فيجب تقديمهم علي غيرهم إن وجدوا، وهذا لا يمنع أن تُصرف في المصارف الأخرى حسب الحاجة والمصلحة، كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في زكاة الأموال: أنها: "تُؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم"، ولم يمنع ذلك أن تُصرف في الجهات الأخرى التي أرشدت إليها الآية الكريمة.
وبهذا يتضح: أن القول الذي نختاره، هو تقديم الفقراء على غيرهم إلا لحاجة ومصلحة إسلامية معتبرة .
والقول الصحيح الذي عليه أكثر الفقهاء أن للشخص الواحد أن يدفع فطرته إلى مسكين أو عدة مساكين، كما أن للجماعة أن يدفعوا فطرتهم إلى مسكين واحد؛ إذ لم يفصل الدليل (البحر الزخار: 197/2).
وكره بعضهم دفع الواحد إلى عدد؛ لأنه لا يتحقق به الإغناء المأمور به في الحديث، ومثل ذلك دفع جماعة كثيرة فطرتهم إلى واحد يؤثرونه بها، مع وجود غيره ممن هو مثله في الحاجة أو أحوج منه، دون مسوغ يقتضي هذا الإيثار (انظر: الدر المختار وحاشيته: 85/2، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي: 508/1).
من لا تُصرف له زكاة الفطر:
وما دامت صدقة الفطر زكاة، فلا يجوز دفعها إلى كل من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، من كافر معاد للإسلام، أو مرتد، أو فاسق يتحدى المسلمين بفسقه، أو غني بماله أو كسبه، أو متبطل قادر على الكسب ولا يعمل، أو والد، أو ولد، أو زوجة؛ لأن المسلم حين يدفعها إلى هؤلاء كأنما يدفعها إلى نفسه.
وما قلناه في نقل زكاة المال نقوله هنا، وهو: أن الأصل أن توزع الفطرة في البلد الذي وجبت فيه، وهو البلد الذي فيه المزكي، للاعتبارات التي ذكرناها هناك، ولأن زكاة الفطر خاصة بمثابة إسعاف سريع في مناسبة خاصة، هي مناسبة العيد، فأولى الناس به الجيران وأهل البلد.
إلا إن عدم الفقراء فيه، فتنقل إلى ما قرب منه كما ذكرنا عن المالكية، وقال في البحر: تُكره في غير فقراء البلد إلا لغرض أفضل (البحر الزخار: 203/2).
والله أعلم
المصدر إسلام أون لاين
وعند الزيدية: يجوز تعجيلها ولو إلى عامين كزكاة المال (البحر 196/2).
وقول مالك وأحمد أحوط وأقرب إلى تحقيق المقصود، وهو إغناؤهم في يوم العيد بالذات.
والقول بجواز إخراجها من بعد نصف الشهر أيسر على الناس، وخاصة إذا كانت الدولة هي التي تتولى جمع زكاة الفطر. فقد تحتاج إلى زمن لتنظيم جبايتها وتوزيعها على المستحقين. بحيث تشرق شمس العيد وقد وصل إليهم حقهم، فشعروا بفرحة العيد وبهجته كما يشعر سائر الناس. ومثل ذلك إذا تولت زكاة الفطر مؤسسة أو جمعية إسلامية.
لمن تُصرف زكاة الفطر؟.
الصرف لفقراء المسلمين بالإجماع:
قال ابن رشد: أما لمن تصرف؟. فأجمعوا على أنها تصرف لفقراء المسلمين لقوله -صلى الله عليه وسلم- : "أغنوهم"... الحديث. الخلاف في فقراء أهل الذمة: قال: واختلفوا: هل تجوز لفقراء أهل الذمة؟. والجمهور على أنها لا تجوز لهم. وقال أبو حنيفة: تجوز لهم.
وسبب اختلافهم: هل سبب جوازها هو الفقر فقط؟ أو الفقر والإسلام معًا؟ فمن قال: الفقر والإسلام لم يجزها للذميين، ومن قال: الفقر فقط أجازها لهم، واشترط قوم في أهل الذمة الذين تجوز لهم أن يكونوا رهبانًا (بداية المجتهد: 73/1).
روى ابن أبي شيبة عن أبي ميسرة: أنه كان يعطي الرهبان صدقة الفطر (المصنف: 39/4)، وعن عمرو بن ميمون، وعمرو بن شرحبيل، ومرة الهمداني: أنهم كانوا يعطون منها الرهبان (المغني: 78/3).
وهي لفتة إنسانية كريمة تنبئ عن روح الإسلام السمح، الذي لا ينهي عن البر بمخالفيه الذين لم يقاتلوا أهله ويعادوهم، فلا غرو أن تشمل مسرة العيد كل من يعيش في كنف المسلمين، ولو كانوا من الكفار في نظره. على أن هذا إنما يكون بعد أن يستغنى فقراء المسلمين أولاً.
هل تُفرَّق على الأصناف الثمانية؟
وهل يقتصر صرفها على الفقراء والمساكين أم تعمم على الأصناف الثمانية؟ المشهور من مذهب الشافعي: أنه يجب صرف الفطرة إلى الأصناف الذين تُصرف إليهم زكاة المال، وهم المذكورون في آية: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ) (التوبة: 60)، وتلزم قسمتها بينهم بالسوية (المجموع: 144/6)، وهو مذهب ابن حزم، فإذا فرقها المزكي بنفسه سقط سهم العاملين لعدم وجودهم، والمؤلفة لأن أمرهم إلى الإمام لا إلى غيره (المحلي: 143/6-145).
وردَّ ابن القيم على هذا الرأي فقال: "وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- تخصيص المساكين بهذه الصدقة، ولم يكن يقسمها على الأصناف الثمانية قبضة قبضة، ولا أمر بذلك، ولا فعله أحد من أصحابه، ولا من بعدهم بل أحد القولين عندنا: أنه لا يجوز إخراجها إلا على المساكين خاصة.
وهذا القول أرجح من القول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية (زاد المعاد: 315/1).
وعند المالكية: إنما تُصرف للفقراء والمساكين، ولا تُصرف لعامل عليها ولا لمؤلف قلبه، ولا في الرقاب، ولا لغارم ولا لمجاهد ولا لابن سبيل يتوصل بها لبلده، بل لا تعطى إلا بوصف الفقر، وإذا لم يوجد في بلدها فقراء نقلت لأقرب بلد فيها ذلك بأجرة من المزكي لا منها، لئلا ينقص الصاع (الشرح الكبير بحاشية الدسوقي: 508/1-509).
فتبين بهذا أن هنا ثلاثة أقوال:
1- قول بوجوب قسمتها على الأصناف الثمانية -أو مَن وجد منهم- بالسوية، وهو المشهور عند الشافعية.
2- وقول بجواز قسمتها على الأصناف، وجواز تخصيصها بالفقراء، وهو قول الجمهور؛ لأنها صدقة فتدخل في عموم قوله تعالى: (إنما الصدقاتً للفُقَراءِ والمسَاكِينِ) (التوبة: 60)
3- وقول بوجوب تخصيصها بالفقراء، وهو مذهب المالكية -كما ذكرنا- وأحد القولين عند أحمد، ورجحه ابن القيم، وشيخه ابن تيمية.
وإلى هذا القول ذهب الهادي والقاسم وأبو طالب: أن الفطرة تُصرف في الفقراء والمساكين دون غيرهم من مصارف الزكاة الثمانية، لما جاء في الأحاديث أنها: "طعمة للمساكين"، ولحديث: "أغنوهم في هذا اليوم" (نيل الأوطار: 195/4).
ومع وجاهة هذا القول، وتمشيه مع طبيعة زكاة الفطر، وهدفها الأساسي فأرى ألا نسد الباب بالكلية ونمنع جواز استخدامها في المصارف الأخرى عند الحاجة والأحاديث التي ذكروها تدل على أن المقصود الأهم منها إغناء الفقراء بها في ذلك اليوم خاصة، فيجب تقديمهم علي غيرهم إن وجدوا، وهذا لا يمنع أن تُصرف في المصارف الأخرى حسب الحاجة والمصلحة، كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في زكاة الأموال: أنها: "تُؤخذ من أغنيائهم فتُرد على فقرائهم"، ولم يمنع ذلك أن تُصرف في الجهات الأخرى التي أرشدت إليها الآية الكريمة.
وبهذا يتضح: أن القول الذي نختاره، هو تقديم الفقراء على غيرهم إلا لحاجة ومصلحة إسلامية معتبرة .
والقول الصحيح الذي عليه أكثر الفقهاء أن للشخص الواحد أن يدفع فطرته إلى مسكين أو عدة مساكين، كما أن للجماعة أن يدفعوا فطرتهم إلى مسكين واحد؛ إذ لم يفصل الدليل (البحر الزخار: 197/2).
وكره بعضهم دفع الواحد إلى عدد؛ لأنه لا يتحقق به الإغناء المأمور به في الحديث، ومثل ذلك دفع جماعة كثيرة فطرتهم إلى واحد يؤثرونه بها، مع وجود غيره ممن هو مثله في الحاجة أو أحوج منه، دون مسوغ يقتضي هذا الإيثار (انظر: الدر المختار وحاشيته: 85/2، والشرح الكبير بحاشية الدسوقي: 508/1).
من لا تُصرف له زكاة الفطر:
وما دامت صدقة الفطر زكاة، فلا يجوز دفعها إلى كل من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، من كافر معاد للإسلام، أو مرتد، أو فاسق يتحدى المسلمين بفسقه، أو غني بماله أو كسبه، أو متبطل قادر على الكسب ولا يعمل، أو والد، أو ولد، أو زوجة؛ لأن المسلم حين يدفعها إلى هؤلاء كأنما يدفعها إلى نفسه.
وما قلناه في نقل زكاة المال نقوله هنا، وهو: أن الأصل أن توزع الفطرة في البلد الذي وجبت فيه، وهو البلد الذي فيه المزكي، للاعتبارات التي ذكرناها هناك، ولأن زكاة الفطر خاصة بمثابة إسعاف سريع في مناسبة خاصة، هي مناسبة العيد، فأولى الناس به الجيران وأهل البلد.
إلا إن عدم الفقراء فيه، فتنقل إلى ما قرب منه كما ذكرنا عن المالكية، وقال في البحر: تُكره في غير فقراء البلد إلا لغرض أفضل (البحر الزخار: 203/2).
والله أعلم
المصدر إسلام أون لاين